كتبت : نسرين معتوق
يكاد لا أحد منا لم يصادف أو ( على أقل تقدير ) يترامى إلى مسامعه ذلك النوع من الشكاوى .. ” طفلي أصبح خارج السيطرة ” ، ” لم أعد استطيع الخروج بطفلي في الأماكن العامة فهو دائماً ما يثير المشاكل ” ، ” طفلي عنيف ” ، ” أصبح طفلي يدخل في نوبات من الصراخ و التمرد و لا استطيع إيقافه ” .
تلك الأنواع من الشكاوى و التي إذا ما كانت تصف سلوك دائم أو متكرر درجة التواتر ، فإنها تصب جميعها في أننا أمام مشكلة أو سلوك العدوان ، و بالتبعية يوصف الطفل ممارس هذا السلوك ” بالطفل العدواني ” .. و لكن قبل تناول العدوان كسلوك و معرفة صوره و أسبابه و كيفية التعامل معه و طرق علاجه ، يجب أولاً أن نحدد معنى مصطلح ” عدوان ” .
تعرف علوم الاجتماع و السلوك العدوان بأنه ” هو كل سلوك موجه ناحية الأخر و يكون المقصود منه إلحاق الأذى و الضرر بهذا الأخر أو تدمير ممتلكاته .. اي أن هذا السلوك يهدف إلى تحقيق الإيلام للطرف الموجه له الفعل ( جسدياً أو معنوياً ) .
و برصد بسيط لصور العنف من حولنا فسيكون بالامكان تقسيم تلك الصور لنوعين و هما .. العنف المادي و يشمل كل أذى يوجه للأشخاص أنفسهم ( مثل الضرب و العض …. و أي أذى يلحق بهم جسدياً ) و يضاف إليه كل عنف يوجه لممتلكات الأشخاص أيضاً ( سواء بإتلافها أو حتى بإخفائها و لو لبعض الوقت بقصد الأزعاج و الإيلام ) .
أما النوع الثاني فهو العنف اللفظي و يتمثل في استخدام السباب و الشتم و كذلك توجيه الكلمات الجارحة بقصد السخرية أو التهديد .
كل هذه الأفعال و بهذا التعريف تجعل مرتكبها يقع و لا محالة تحت المحاسبة القانونية ، و لكن ..
ماذا لو كان ممارس هذا السلوك هو طفل ؟
إذا نظرنا إلى ما إذا كان ممارس هذا السلوك هو طفل ، فإن هذا التحليل يأخذ منحنى أخر ، لأنه تصبح احتمالية أن يكون العدوان ( المتمثل في صور العنف السابق ذكرها ) هو طريقة تواصل لطفل ضل الطريق الصحيح للتعبير و التواصل مع من حوله .. سواء لاضطراب بمشاعره أو لإحباطه أو إحساسه بالإهمال أو التجاهل أو لغضبه بسبب وقوع ظلم عليه .
و لأن لكل سلوك أسبابه فإنه يمكن ذكر عدد من الأسباب الأكثر شيوعاً و التي قد تجعلنا بالنهاية نواجه مشكلة الطفل العدواني أو العنيف ، و عليه ..
– تأتي القدوة السيئة كمسبب أول لهذه المشكلة ، سواء كانت القدوة السيئة متمثلة في الأب أو الأم أو الإثنين معاً أو كان الأخ أو القريب أو حتى الزميل ( خاصة لو كان المشهد يحسم بالنهاية لصالح ذلك الشخص ممارس العنف أو العدوان ) .
– ثم تأتي طريقة التربية كسبب تاني إذا كان في ملامحها ( القسوة أو السيطرة أو التمييز ضد الطفل ) .
– ثم يأتي التدليل كسبب ثالث ، خاصة لأنه يولد شعور دائم بالأحقية في كل شيء و بأي طريقة .
– و قد يكون الطفل نفسه يعاني من إعاقة جسدية و لم يتلقى التأهيل النفسي الكافي للتعايش معها ، كما قد يكون الطفل يعاني من اضطراب ما ( كإضطراب فرط الحركة و تشتت الانتباه ) مما يفرض عليه أسلوب حركي يتصف بالنشاط الزائد و يخرج هذا النشاط في صورة أفعال عنيفة .
– كما أن فقد الإحساس بالأمان لغياب الأب تحديداً و عدم التواصل معه ، و عدم وجود من يلعب دوره كبديل له في حال غيابه الدائم .. يعد مسبب مهم أيضاً .
– أخيراً ( و هو الأخطر ) السوشيال ميديا و التي أصبحت تلعب دور أساسي في تشكيل شخصية و سلوك الأفراد عامة و لا سيما الأطفال ، و ذلك لإتساع مدى تأثيرها و صعوبة القدرة على فلترة المحتوى المقدم من خلالها ( خاصة في ظل ما تقدمه من مشاهد عنيفة ، فضلاً عن إنتصار ممارسها ) .
كل هذه الأسباب هي على سبيل المثال و ليس الحصر ، و بالتالي يجب النظر جيداً في البيئة المحيطة بالطفل للوصول لمسببات المشكلة .
ننتقل الآن لطرق العلاج و التي أول و أهم مرحلة فيها هي الوصول للسبب الرئيسي أو الأساسي في السلوك العنيف عند الطفل ، ثم إنهاء هذا السبب لنستطيع أن نبدأ في تعديل السلوك ، حيث أنه لا يمكن تعديل السلوك مع بقاء السبب .
– ثم يجب بعد ذلك تعليم الطفل كيفية التعبير عن مشاعره بطريقة سلمية .
– و يجب الحرص أيضاً على وضع قواعد واضحة و ثابتة في التعامل مع الطفل داخل المنزل و توضيحها له و التأكيد عليها ، ذلك لأن غياب السلطة الضابطة أو اضطرابها يولد اضطراب لدى الطفل .
– ضرورة ممارسة الرياضة و بشكل دائم .
– و أخيراً تعزيز السلوك الإيجابي من خلال المكافأة على كل تحسن ، مع البعد أن استخدام العقاب البدني في حالة عدم الإلتزام مع استمرار المناقشة و الحوار بهدوء .