Site icon بوابة اقتصاد بلدنا

دكتور محمد سيد الخبير الاقتصادي يكتب “التكامل هو الحل”

دكتور محمد سيد الخبير الاقتصادي يكتب “التكامل هو الحل”
كتب د: محمد ابونار

دكتور محمد سيد ابونار الخبير الاقتصادي والمصرفي. 

في البداية، لم يفارقني يوما عند دراستي لتجربة التكامل الاقتصادي كأحد المجالات البحثية في علم الاقتصاد أثناء دراستي بالمراحل التعليمية المختلفة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة حلم التكامل والوحدة بين مصر والسودان، وإذا كان الاتحاد الأوربي قد نجح في إكساب مفهوم الحربات الأربع صبغة شعبية وجعلها السلعة العامة الأوربية الأكثر قبولاً لدي الرأي العام الأوربي، فحرية انتقال السلع والخدمات ورأس المال والعمل هي الأهم في مشروع التكامل الأوربي.

وفي أحد لقاءاتي مع بعض الأصدقاء السودانيين، فقد أثرنا سوياً اهمية و ضرورة التكامل بين مصر والسودان، كونه نابعاً من العلاقات والأواصر التاريخية والثقافية والحضارية والدينية المشتركة، ووحدة وادي النيل، وإن كان حلم الوحدة قد كان سابقاً بالفعل، فقد كانت مصر والسودان دولة واحدة منذ عام 1840 وحتى  1956، إلا أن هناك العديد من الأصوات الشعبية المصرية والسودانية لازالت تنادي بضرورة الوحدة والتكامل بين القطرين الشقيقين، خاصة بعد انفصال جنوب السودان عام ٢٠١١، والتهديد المشترك لمصر والسودان من سد النهضة، وأخيرا أحداث الحرب الأهلية السودانية الأخيرة التي لا نري في الأفق قرب نهايتها قريبا، كل هذا قد يخلق فرصة مواتية لإحداث التكامل بين البلدين.

وانطلاقاً مما يثيره مفهوم التكامل من أبعاد واعتبارات، فقد تمثل أول أهداف التكامل المصري السوداني في البحث عن حلول لمشاكل مشتركة بهدف إحداث تنمية مشتركة، تتفوق علي التنمية المنفردة بسرعة الإنجاز وضخامة العائد منها، وفي هذا الإطار أُثيرت عدة قضايا كان في مقدمتها التخطيط التكاملي وتنمية موارد مياه النيل والتوسع الزراعي وتسهيل الاتصال بين البلدين وزيادة التبادل التجاري وفقاً للامكانيات الواقعية والأهداف الطموحة للتخلص من البيروقراطية التي تعوق انطلاق مشرعات التكامل، حيث أن الروابط المتعددة بين دولتي مصر والسودان تجعل من التكامل الاقتصادي الوضع الطبيعي بما تمتلكه مصر من خبرات وإمكانات بشرية وتنموية واستثمارات تحتاجها السودان للدفع بعملية التنمية وتحقيق الاستقرار بها، حيث أن المشاكل السياسية في السودان هي مشاكل تنمية بالأساس، كما تحتاجها مصر أيضاً للاستفادة من الموارد السودانية الضخمة من أراضى خصبة صالحة الزراعة تكفي بزراعتها في تحقيق الاكتفاء الذاتي العربي من السلع الغذائية، وأيضاً بترول وغيره، ويحتاجه السودان في توفير الأيدي العاملة المدربة وفي نقل التكنولوجيا، ويحتاجها الطرفين سوياً لاتخاذ موقف موحد تجاه التهديد المائي كونهما دول مصب في مواجهة التعنت أحادي الطرف من دولة المنبع لنهر النيل وهي اثيوبيا، والذي سيؤثر علي الحصص التاريخية من المياه لكلا الدولتين.

وتواجه العلاقات التكاملية بين مصر والسودان تحديات جسام نحاول سردها بإيجاز:-

1) عدم وضوح مستقبل مشروع السلام في السودان بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بعد، في ظل التدخلات الكبيرة في السودان من قبل العديد من القوي العالمية والإقليمية سواء بالسلاح أو بالمال لنهب ثروات الشعب السوداني، وكل هذا ادي الي دمار السودان والشعب السوداني نفسه.

2) عضوية مصر في منظمة التجارة العالمية, والتصنيف التنموي للسودان كدولة أقل نموا، يجعلان مشروع التكامل ينحصر في مرحلة التجارة الحرة.

3) يتسم المناخ الاقتصادي في كل من مصر والسودان بانخفاض مستوي دخل الفرد إلي جانب انتشار البطالة مما أضعف الثقل الاقتصادي لمصر والسودان.

4) القصور الشديد في البنية الأساسية اللازمة لنهوض مشروعات التكامل.

5) الاتصال الشعبي الضعيف، ويري البعض أن التكامل الاقتصادي بين مصر والسودان أنها تجربة فوقية، ولم يكن لها اثر اقتصادي، وبالتالي لم يكن تكاملاً تاماً.

6) المعالجات الروتينية لبعض أعمال التكامل من جانب قطاعات التمويل.

7) مشكلة حلايب وشلاتين التي لم تصل مصر والسودان إلي حل بشأنهما بعد.

8) عدم توافر الارادة السياسية بالرغم من توافر الارادة الشعبية القوية من جانب البلدين.

وفي النهاية، اتفقنا أنا وأصدقائي السودانين علي أن الاعتبارات السياسية هي التي أوقفت التجربة بقدر ما كانت المحرك لها، ولم يعد الوقت يسمح في ظل انفتاح البلدين علي الاقتصاد العالمي، بانتظار مزيد من الوقت لحسم فعلي وجاد لخيار التكامل، فالآخرون جادون علي تعميق علاقاتهم التجارية والاقتصادية مع البلدين، ونستطيع أن نلمس هذا من حجم التواجد الصيني والأسيوي وبعض البلدان العربية الآخري، فيجب العمل علي تحقيق التكامل وضمان استمراريته بغض النظر عن اختلاف وجهات النظر السياسية التي تعتري النظامين في بعض الأحيان، وتعتبر المشروعات المشتركة آلية مناسبة لاستقرار وتضافر الجهود والقوي لتحقيق المصالحة.

Exit mobile version