الثقافةعاجل

نسرين معتوق تكتب : في ظل العولمة .. هويتنا إلي أين 

نسرين معتوق تكتب : في ظل العولمة .. هويتنا إلي أين
كتبت : نسرين معتوق 

في عالم يشهد تغيرات شبة يومية سواء على المستوى السياسي و المستوى الاقتصادي ، فإنه من المنطقي أن تنعكس أثار تلك التغيرات على كل الأفراد و في كل المجتمعات عموماً .

خاصة عندما لا تلقي تلك التغيرات بظلالها على الأوضاع السياسية و الاقتصادية فحسب ، و إنما تأتي لتنسحب أثارها على الأوضاع الثقافية و الإجتماعية أيضاً داخل المجتمعات و يبقى تصنيف تلك الأثار و كونها إيجابية أو سلبية على تلك المجتمعات راجع و من الدرجة الأولى إلي طبيعة كل مجتمع بذاته سياسياً و إقتصادياً و ثقافياً و إجتماعياً أيضاً .

و لأنه أصبح من السهل على المتابع العادي ( فضلاً عن ما إذا كنت متخصص في المجال الإجتماعي و التربوي بالتحديد ) للأحداث الحياتية و اليومية من حولنا أن يميز – و بكل وضوح – تغيرات إجتماعية حادة و مستحدثات ثقافية و حياتية على واقعنا الحاضر لم تشهدها و لم تسجلها ذكرتنا الإجتماعية و الثقافية القريبة ( اتحدث عن نحو العشرين سنة السابقة ) ، و إن حدثت فإنها كانت لا ترتقي عن كونها ظواهر إجتماعية إستثنائية و شديدة الندرة ، فضلاً عن ما كانت تواجه به من حصار مجتمعي يحتويها و يتعامل معها في نطاق ظهورها الضيق و يقيد إنتشارها .

العولمه أصبح العالم قريه صغيرة

مظاهر من التراجع القيمي الحاد و إنتشار لإستخدام العنف بين الأفراد و صور من الترويج للإباحية و لسلوكيات مخالفة للفطرة السوية ( قبل أن تكون مخالفة الأديان عموماً ) و الأخطر – و أؤكد بأنه الأخطر – هو ما يمكن رصده من اتساع قاعدة التقبل المجتمعي ( و لو على استحياء ) لمثل هذه الظواهر داخل المجتمع .

كل ذلك ينبأ بخطر تتعرض له الهوية الثقافية و الإجتماعية الخاصة بنا .

هذا المصطلح ” نظام عالمي جديد ” كما جاء و لأول مرة على لسان جورج بوش الأب .. حقيقة لم يكن مجرد مصطلح لحقبة عالمية جديدة بعد إنتهاء الحرب الباردة ، بقدر ما كان إعلان ببداية نظام عالمي تتجمع خيوطه و ترسمها قوة واحدة تتبنى أفكار و ايدلوجية و معايير معينة خاصة بها ، و تفرضها و تسوق لها على باقي العالم بحكم ما لديها من قوة سياسية و إقتصادية و إن تطلب الأمر عسكرية .

و من مصطلح ” نظام عالمي جديد ” انبثقت عدت مصطلحات أخرى كلها ارتبطت به .. و لكن ما يهمني هنا هو مصطلح ” العولمة ” و الذي استخدمت جميع أدواته على واقعنا الاقليمي و العربي بالتحديد و كان له تأثير مباشر على هويتنا الثقافية و الإجتماعية بالتحديد .

و في تقديري فإن نجاح العولمة كان لما لأدواتها من قوة .. تلك الأدوات كانت هي وسائل الإعلام و الإتصال و طبعاً القنوات الفضائية و شبكة الإنترنت ( و التي لم يكن لدينا أي آليه سلمية و قوية أو حتى حكيمة تواجه ما هو مصدر لنا من هذا الكم من الأفكار و لا آليه تتعامل معه لإنتاج يناسب ثقافتنا و معاييرنا ، بدلاً من الاستنساخ و المحاكاه الهزيلة و الهزلية ) .

و لأن العولمة كان المقصود منها ( و لو على المستوى الرسمي ) أن يتم نقل الثقافات و الأفكار المختلفة إلي مستوى عالمي فتبرز المفاهيم الإنسانية المشتركة و بالتالي يتم خلق ” ثقافة عالمية واحدة ” .. فإن ذلك لم يحدث .

و لو صنفت العولمة كمعركة .. فهي قد حسمت لصالح الطرف الذي ملك أدواته و كانت النتيجة هي خلق عالم للذلك الطرف و بثقافته هو .

و ذلك يبرر ما نشاهده من مظاهر العنف و الإباحية في وسائل الإعلام و السينما و على فضائيتنا ، مع رصد يومي لتدهور قيمي و خلقي واضح في معاملات بين الأفراد داخل المجتمع .

فضلاً عن تراجع استخدام اللغة الأم أمام اللغات الأجنبية ليس فقط في مرافق الإدارة و الإقتصاد و لا في وسائل الإعلام و الإتصال و لا حتى في المقررات الدراسية و المرافق التعليمية و حسب .. بل امتد ذلك لتحل اللغة الأجنبية كلغة تخاطب يومي بين الأفراد .

بالنهاية العولمة ( العولمة الثقافية بالتحديد ) هي واقع يفرض نفسه في ظل نفوذ سياسي و إقتصادي و إعلامي و معلوماتي تحت مظلة نظام عالمي جديد … و لكن .

مازال بإمكاننا مواجة ذلك كله ببذل مجهود أكبر و الأهم مجهود صادق و ليس شكلي لرفع توعية الأفراد في المجتمع و تثقيفهم بما يتناسب مع إختلاف فئاتهم العمرية و التعليمية ، مع إعداد خطة خاصة تهتم بالفئات العمرية ما بين ثلاث سنوات إلي الواحد و العشرين سنة ( مرحلة الشباب المبكر ) ، و العمل على تحقيق تنمية شاملة في مختلف المجالات خاصة المتعلقة بالتعليم و الصحة و الخطاب الإعلامي العام و الخاص .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!
إغلاق
%d مدونون معجبون بهذه: