
كتبت د/اسلام محمد
الاحتواء يعني تبقى موجود، حتى وإنت ساكت. يعني تحضن قبل ما تنصح، وتسمع قبل ما تحكم، وتحس قبل ما تتكلم.
في زمن كله جري وضغط وهم، بقى الاحتواء عملة نادرة. الناس بقت مستنية حد يسمعها مش يرد عليها، حد يفهمها مش يصلّحها، حد يقول لها: أنا حاسس بيك قبل ما يقول: المفروض تعمل إيه.
الاحتواء مش ضعف، بالعكس ده قوة كبيرة. قوة إنك تشيل وجع غيرك وانت ثابت، إنك تبقى أمان لحد تايه، وسند لحد مكسور. الاحتواء إنك لما تلاقي اللي قدامك متعصب أو زعلان أو ساكت زيادة عن اللزوم، ماتستفزوش… تقربله. ماتواجهوش… تطبطب عليه.
أوقات كتير اللي محتاج احتواء مش عارف يطلبه، يمكن اتعود إن محدش يسمعه، أو اتوجع قبل كده. هنا ييجي دور الإنسان الحقيقي، اللي يفهم من نظرة، من نبرة صوت، من سكوت طويل.
الاحتواء في العلاقات هو اللي بيطول عمرها. كلمة حلوة وقت الزعل، حضن وقت الانهيار، صبر وقت اللخبطة. مش كل مشكلة محتاجة حل، في مشاكل محتاجة قلب دافي وبس.
وفي التربية، الاحتواء هو اللي بيطلع أطفال أسوياء. طفل غلطان محتاج احتواء أكتر من عقاب، محتاج يحس إن الغلط ماينقصش حبنا له، وإنه آمن وهو بيتعلم.
وحتى مع نفسك… آه مع نفسك كمان. احتوي نفسك في ضعفك، في حزنك، في فشلك. ماتقسوش عليها، دي تعبت وجاهدت، واستحملت كتير. إدّي لنفسك حق الزعل وحق الراحة وحق المحاولة من جديد.
الاحتواء مش إنك توافق على كل حاجة، ولا تسكت عن الغلط، لكنه إنك تختار الطريقة الإنسانية في المواجهة. تختار الرحمة بدل القسوة، والفهم بدل الهجوم.
في الآخر، كلنا محتاجين الاحتواء، مهما باين علينا القوة. كل قلب فينا جواه طفل صغير مستني حد يقوله: إنت مش لوحدك.
الاحتواء هو اللي بيخلّي الدنيا أهون، والوجع أخف، والناس أقرب لبعض.




